تخفيض سعر الفائدة والأحداث الجيوسياسية وأسعار النفط
تحديات أمام البنوك
إعداد: شير ميهتا وعبد ربه زيدان
تقرير من أرقام ماكرو - أكتوبر 2024
بقلم
اسلام زوين
في هذه المقدمة الموجزة، نحدد نقاط الضغط الأساسية والتحديات التي تواجه القطاع المصرفي، وذلك من منظور أوسع.
ثم في مرحلة لاحقة من التقرير، تقدم منصة "أرقام ماكرو" تحليلاً حول مدى استعداد القطاع المصرفي السعودي للتعامل مع بعض التحديات الناجمة عن توترات جيوسياسية وتذبذُب سعر النفط:
قد تختلف أي دولة مع الولايات المتحدة على صعيد السياسة الخارجية أو القضايا التجارية والجيوسياسية، ولكن مهما بلغت درجة هذا الاختلاف، فإن أخبار السياسة النقدية في واشنطن العاصمة تؤثر على الاقتصاد العالمي سلبا أو إيجابا بسبب هيمنة الدولار الأمريكي، ولا سيما في الدول التي اختارت أن تربط عُملتها المحلية بعُملة أكبر اقتصاد في العالم.
وتقوم دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية صاحبة الاقتصاد الأكبر، بتصدير منتجاتها من منتجات الطاقة بالدولار الأمريكي. وكان من المتوقع بشكل كبير أن تحذو البنوك المركزية في دول الخليج حذو الفيدرالي الأمريكي وتخفض معدل الفائدة بمقدار نصف نقطة.
وعلى الرغم من أن العالم بدأ يشهد أول خفض لمعدل الفائدة بعد الارتفاعات المتتالية، وذلك من أجل كبح جماح التضخم إلا أننا لانزال نواجه تحديات تبعث على القلق قد تؤثر بدورها على القطاع المصرفي في الشرق الأوسط الذي يعيش حالة من الترقّب، خشية اندلاع حرب شاملة في ظل الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران.
وفيما يتعلق بالبنوك في السعودية، وفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن انخفاض أسعار النفط قد يؤثر بالسلب على السيولة؛ حيث يتطلب القطاع المصرفي متوسط 80 دولار أمريكي للبرميل لخام برنت من أجل الحفاظ على السيولة. فيما تتطلب الميزانية العامة متوسط 96 دولارا للبرميل لسد العجز.
وتراجع سعر البرميل في وقت تحديث هذا التقرير في 30 اكتوبر الساعة 7 صباحا بتوقيت غرينتش إلى 71.93 دولارا للبرميل من خام برنت بعد أن اتضحت معالم الضربة الإسرائيلية الأخيرة في إيران، وعدم استهدافها المنشآت النفطية كما ذكرت تقارير صحافية غربية في الأسبوعين الماضيين، وأصبح المؤشر الاسترشادي لأسعار النفط في الأونة الأخيرة يتوقف بشكل كبير على الطلب العالمي للنفط.
مؤخراً، استطاعت دول عديدة أن تسيطر على معدلات التضخم، لا سيما في الأسواق المتقدمة والناشئة. ومع ذلك تستبدّ المخاوف بجهات الإقراض والمستثمرين ومديري صناديق التحوّط، لا سيما تلك المخاوف ذات الطابع الجيوسياسي، وذلك في ظل حالة عدم اليقين التي قد تقطع الطريق على أخذ تعهدات جديدة وإبرام مزيد من الصفقات، فضلاً عن إرجاء المستهلكين اتخاذ قرارات بشأن الرهون العقارية والاقتراض، ناهيك عن القروض الشخصية وقروض السيارات. وهذا كله من شأنه أن يكون له تبعات على النمو الاقتصادي.
ومع ذلك، تتعلق كل الأنظار بالخطوة التالية للفيدرالي الأمريكي والمرتقبة في نوفمبر المقبل؛ حيث من المتوقع أن يقوم بمزيد من الخفض لمعدل الفائدة بنحو رُبع أو نصف نقطة، وهو ما سيؤثر بالتبعية على هوامش بعض البنوك خصوصاً البنوك التي تشكل قروض الشركات النصيب الأكبر فيها.
نظرة شاملة من
كيف تتأثر البنوك بالتحديات الجيوسياسية وأسعار النفط؟
من المتوقع أن تشهد القروض العقارية نموا بعد بدء تراجع أسعار الفائدة
حيث بدى التباطؤ واضحا العام الماضي
قد تتجه البنوك إلى خيارات إقراض أكثر أماناً أو إلى قطاعات أقل تأثّراً بالتوترات الجيوسياسية. كان من الملفت حسب منصة "أرقام ماكرو" والخاصة بتطور بيانات البنك المركزي الخاصة بشهر أغسطس، تسجيل القروض الممنوحة من قبل البنوك السعودية أعلى مستوى على الاطلاق إذ سجلت أعلى نسبة نمو منذ عامين، تزامناً مع ارتفاع أسعار الفائدة لأعلى مستوى لها.
تحوّل في معايير الإقراض
إذا ما ظلت أسعار النفط منخفضة على مدى العامين المقبلين، وهو المتوقع، فقد لا تحقق ودائع المؤسسات التابعة للدولة نموا قويا على النحو المتوقَّع لها خصوصاً الدول التي تعتمد على النفط – ما من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع في تكاليف التمويل على البنوك. إلا أن اقتصاد المملكة اتسم في السنوات الأخيرة بتنوع الأنشطة الاقتصادية في اطار رؤية 2030، الأمر الذي ساهم بتعزيز النشاط الاقتصادي غير النفطي، وهو ما يعزز الاستقرار المالي للمملكة.
حيث أوضحت منصة "أرقام ماكرو" ارتفاع الايرادات غير النفطية بشكل متسارع حتى بلغت ذروتها في عام 2023 عند 457 مليار ريال، لتساهم بنحو 37.8% في الناتج الإجمالي المحلي بعد أن كانت مساهمتها تبلغ 12% في عام 2014.
ضغوط السيولة
قد تؤدي التوترات الجيوسياسية وتراجع إيرادات النفط إلى زيادة الضغط على الجهات المقترضة، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى ارتفاع نسبة القروض المتعثرة.
ولكن حسب منصة "أرقام ماكرو" انخفضت نسبة القروض غير العاملة للبنوك السعودية الى 1.36% بنهاية الربع الثاني 2024 رغم تسجيل اسعار الفائدة مستويات تاريخية، وتعد تلك النسبة الأقل من بين بنوك العالم وبنوك المنطقة، بسبب السياسة التحفظية على الاقراض والتي يفرضها البنك المركزي على البنوك خصوصاً في قطاع الأفراد، وتاريخياً كان أعلى نسبة مسجلة في أزمة كورونا عند 2.28% والتي كانت تعد آنذاك الأقل على مستوى بنوك العالم.
جودة الأصول
زيادة الإقراض بوتيرة سريعة - مصحوبة بتراجُع محتمَل في جودة الأصول - قد تضع ضغوطا على نسبة كفاية رأس المال. إلا أن البنوك السعودية تتمتع برأس مال قوي، حيث بلغ معدل كفاية رأس المال حسب منصة "أرقام ماكرو" 19.5% بنهاية الربع الثاني .2024.
كفاية رأس المال
وتعد نسب الملاءة للبنوك السعودية من أعلى المعدلات في العالم، حيث تتجاوز معدلات كفاية رأس المال المطلوبة لمعايير بازل 3 وكذلك النسبة التي حددتها مؤسسة النقد والبالغة 8%. ومنذ الأزمة العالمية في عامي 2008 و2009 سجلت معدلات كفاية رأس المال للبنوك السعودية ارتفاعات مطردة بسبب الربحية الجيدة واحتفاظ البنوك بمعظم أرباحها وإضافتها للاحتياطيات، كما ساهمت في ذلك إصدارات رأس المال المساند من الصكوك والسندات لكثير من البنوك.ووفقا لآخر احصاءات البنك المركزي السعودي ،بلغت السيولة أكثر من 2.906 تريليون ريال في نهاية أغسطس 2024، لتسجل أعلى مستوياتها وفقاً لمنصة "أرقام ماكرو".
ومن المتوقع أن تتغير تركيبة وهيكلية الودائع بسبب تراجع أسعار الفائدة وأن تشهد الودائع تحت الطلب "غير المكلفة" ارتفاعاً مقابل تراجع الودائع مقابل "الودائع المكلفة" مع تراجع العائد الاستثماري لها والتي سجلت حسب "أرقام ماكرو" مستويات تاريخية حيث بلغت نسبتها 34.69% من اجمالي الودائع بعد أن كانت حول مستويات الـ 23% نهاية عام 2022.
قد تلجأ البنوك إلى دعم عمليات تقييم المخاطر الخاصة بها، ما قد يثمر عن معايير إقراض أكثر تشدداً، لا سيما إقراض تلك القطاعات التي تتأثر بشكل مباشر بالتوترات الإقليمية أو بتذبذُب أسعار النفط.
وبلغت كلفة مخاطر الائتمان في البنوك السعودية حسب منصة "أرقام ماكرو" أدنى مستوياتها لتصل 0.34% بنهاية الربع الثاني 2024، والذي يعد الأدنى في المنطقة، الأمر الذي يفسر جودة الأصول والمدعوم بالانفاق الحكومي ونمو الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي.
إدارة المخاطر
الأزمة الإقليمية المتصاعدة، والمصحوبة بانخفاض أسعار النفط، قد تؤدي إلى خلق بيئة إقراض أكثر حذراً للبنوك، وهو ما سيحدّ من الأثر المترتب على خفض معدلات الفائدة مؤخراً. وربما يؤدي ذلك إلى تباطؤ معدلات النمو، وزيادة التركيز على الحفاظ على المعدلات القائمة من جودة الأصول وتوفّر السيولة.
ودخلت البنوك السعودية هذه المرحلة الراهنة وهي في وضع قويّ، وكما هو حال أي أزمة ستخضع مرونة القطاع المصرفي السعودي للاختبار، لكن المراكز القوية لرأس المال والدعم الحكومي كفيلان بالمساعدة في تخفيف حِدّة أي آثار سلبية قد تحدث.
وفي يوليو 2024، توقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن تواصل البنوك في السعودية مسيرة النمو بنحو ضِعف متوسط النمو المتوقع في عمليات الإقراض مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي عند 12% تقريبا.
وتتجلى مرونة القطاع المصرفي السعودي بوضوح في وفرة السيولة وقوة الأداء عند التعرض لاختبارات تحمل الضغوط، وكان صندوق النقد الدولي قد أشاد بقدرة السعودية على تحمل الضغوط في القطاع المصرفي التي أجريت في إطار برنامج تقييم القطاع المالي إلى قدرة البنوك والشركات غير المالية على الصمود في مواجهة الصدمات، حتى في ظل السيناريوهات شديدة السلبية.