استراتيجية الاستثمارات طويلة الأجل في السعودية
تقرير من أرقام ماكرو - نوفمبر 2024
بقلم
اسلام زوين
تركز المملكة العربية السعودية على التحول الاقتصادي طويل الأجل أكثر من تركيزها على العوائد المالية قصيرة الأجل. وهذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي خلصنا إليه من قراءة البيان التمهيدي لموازنة السنة المالية 2025.
فالتصنيف الائتماني القوي للمملكة، والنهج الحذر في الإنفاق، ووجود إدارة فعالة للمخاطر المتعلقة بالاستثمارات الحالية والمستقبلية، بالإضافة إلى خفض سعر الفائدة مؤخرا، كلها من الأمور التي تؤكد على نهج استثماري قوي.
كما أن العجز المتوقع في موازنة عام 2025 تبلغ نسبته 2.3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي (مقارنة بـ 2% في عام 2023، و2.9% كنسبة متوقعة بنهاية عام 2024)، مما يشير إلى وجود نهج متوازن بين الاستثمار والوفاء بالالتزامات المالية.
وتساعد هذه العوامل في تسهيل الاقتراض المنضبط وكلفته مقارنة بالعائد، لأن المقرضين والمستثمرين يطمئنون، فيما يتعلق بحجم الأموال التي يستثمرونها، إلى أن العائدات المستقبلية لاستثماراتهم في البنية التحتية الجديدة للمملكة وبعض القطاعات الرئيسية الأخرى - وخاصة الصادرات غير النفطية، والتكنولوجيا، والسياحة، والطاقة المتجددة - هي عائدات واعدة، وذات جاذبية كبيرة.
وهذا يعني أنهم يطمئنون إلى أنهم لا يستثمرون أموالهم في قطاع قديم أثبت عدم قدرته على العمل بكفاءة، وعجز عن الإنتاج، وعن تحقيق الأرباح لسنوات عديدة، ومن ثم ينطوي على كثير من المخاطر والتعقيدات.
كما أن المملكة توجه أموال القروض والكثير من الاستثمارات الأخرى نحو المجالات التي ترجح وزارة المالية أنها ستحقق مزيداً من النمو، كما هو موضح في تحليلنا أدناه. كما أن الاستثمارات المشتركة مع القطاع الخاص في مشاريع جديدة وواعدة تُعد استثمارات ذات قيمة كبيرة، مقابل ما يضخ فيها من أموال.
ومن الملاحظات الأخرى التي سجلتُها أيضا أنه لا يزال هناك تحدٍ آخر يتمثل في أن سعر الفائدة قد يبقى مرتفعا لفترة أطول، رغم أنه قد بدأ في الانخفاض قليلاً منذ سبتمبر. ولهذا السبب، تحرص المملكة على تنويع مصادر زيادة رأس المال في أنشطتها الاقتصادية، وتنويع مصادر الاقتراض أيضا.
ومن الجدير بالملاحظة أن زيادة حجم الاقتراض بهدف تمويل مشاريع تطوير البنية التحتية الضخمة تمثل أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في تحديد ميزانية المملكة. ومع ذلك، فإن نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي لا تزال منخفضة عند 28.4% فقط، حتى يونيو 2024، وهو مؤشر على النهج الحذر الذي تتبعه الحكومة لكبح عجلة الديون. ومن المتوقع أن تظل تلك النسبة منخفضة، لتبقى أقل من 35% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027.
وختاما، من الحكمة أيضا أن نواصل مراقبة الأوضاع الجيوسياسية الحالية، خاصةً مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، والتوقعات بزيادة مستوى التوترات مع إيران في حقبته. فالاستقرار الجيوسياسي أمر حيوي ويصب في مصلحة الدول ذات الوزن الثقيل في المنطقة. وبالنظر إلى السياق الجيوسياسي الأوسع، فقد شهدت دول أوروبية ارتفاعا كبيرا في ديونها، وذلك بسبب الاقتراض من أجل التعامل مع العجز المالي الذي بلغ ما يقرب من 100% من الناتج المحلي الإجمالي في بلد كبريطانيا، على سبيل المثال، ويرجع ذلك في الأساس إلى الحرب في أوكرانيا، والتي تسببت في ظهور أزمة الطاقة في أوروبا، فضلا عن التداعيات السلبية التي خلفها وباء كوفيد.
نظرة شاملة من
تحليل من أرقام
بقلم: شير ميهتا
ومن المتوقع أن تنخفض مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى نحو 24% بحلول عام 2030، (وهو انخفاض بنسبة قدرها 6%)، وهو ما يعزى إلى حرص السعودية على الاستثمار في مزيد من القطاعات غير النفطية.
كما يتوقع أن تتجاوز الفوائد المحتملة طويلة الأجل للاستثمارات في القطاعات غير النفطية، تكاليف الاقتراض على المدى القصير، والتي لا تزال منخفضة نسبياً بالنسبة للمملكة بسبب تصنيفها الائتماني القوي، والاحتياطيات المالية القوية، وانخفاض الدين العام.
يشير التركيز على المشروعات الاستثمارية في البيان التمهيدي للموازنة العامة للمملكة العربية السعودية لعام 2025، إلى مدى حرص صناع القرار في المملكة على وضعها في مسار النمو الاقتصادي المستدام، بعيداً عن الاعتماد على النفط.
ويؤكد البيان التمهيدي للموازنة على استمرار النمو في الأنشطة غير النفطية، ويتوقع زيادة بنسبة 3.7% في نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لعام 2024، وبنسبة 4.6% لعام 2025.
وفي عام 2023، بلغت مساهمة القطاع غير النفطي في نمو الناتج المحلي الإجمالي 68.39%، في حين بلغ متوسط تلك المساهمة 67.04% بين عامي 2021 و2023. وعلاوة على ذلك، تستهدف الاستراتيجية الوطنية للاستثمار زيادة الصادرات غير النفطية من 16% في عام 2016 إلى 50% من إجمالي تلك الصادرات بحلول عام 2030.
ومن المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 3.7% لعام 2024 و4.6% لعام 2025، مما يشير إلى إحراز تقدم ملحوظ في الحد من الاعتماد على عائدات النفط.
هناك تركيز واضح على الاستثمار في المجالات الآتية
التكنولوجيا
تخطط المملكة لاستثمار 6.4 مليار دولار في التقنيات المستقبلية، وريادة الأعمال، بهدف جعل المملكة العربية السعودية مركزاً عالمياً للتكنولوجيا.
التنمية المستدامة
تهدف المملكة العربية السعودية إلى توليد 50% من طاقتها الكهربائية من مصادر طاقة متجددة بحلول عام 2030، مما يتطلب استثمارات كبيرة في مشاريع الطاقة الخضراء.
السياحة
تستهدف المملكة العربية السعودية جذب 100 مليون زائر سنوياً بحلول عام 2030، (وقد يزيد إلى 150 مليون شخص سنويا في بعض التقديرات) وهو ما يسهم بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا الهدف الطموح يفسر الاستثمارات الضخمة التي تخصصها المملكة للبنية التحتية في قطاع السياحة.
مركز لوجستي عالمي
تخطط المملكة أيضا لاستثمار أكثر من تريليون ريال سعودي (267 مليار دولار) في قطاع الخدمات اللوجستية بحلول عام 2030، وقد استثمرت المملكة بالفعل 200 مليار ريال سعودي في هذا القطاع. ويهدف هذا الاستثمار الضخم إلى جعل المملكة مركزاً لوجستياً عالمياً. وتحدد خطة "المراكز اللوجستية الرئيسية" الطموحة 59 مركزاً في جميع أنحاء المملكة، وتغطي أكثر من 100 مليون متر مربع، مما يدل على نهج شامل للاستثمار في البنية التحتية وتطويرها.
الاستدامة المالية
على الرغم من زيادة الإنفاق والاقتراض، فإن العجز المتوقع في الموازنة لعام 2025 يبلغ 2.3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي (مقارنة بـ 2% في عام 2023، ونسبة متوقعة قدرها 2.9% لعام 2024)، مما يشير إلى نهج متوازن ما بين الاستثمار، والوفاء بالالتزامات المالية.
وتبرر هذه التوقعات المتعلقة بالنسبة المتواضعة لعجز الموازنة، إلى جانب التوقعات القوية للنمو الاقتصادي، هذا النهج الذي تتبعه المملكة في التركيز على التوسع في الاستثمارات.
العوائد طويلة الأجل للاستثمارات الحالية
يواصل البيان التمهيدي للموازنة لعام 2025، الإشارة إلى تخصيص مزيد من الأموال للمشاريع الضخمة، مثل مشروع نيوم، حيث تقدر قيمة المشاريع المخطط لها بحلول عام 2030 بنحو 870 مليار دولار. وهذه الاستثمارات التحويلية تبرر حجم تكاليف الاقتراض، وذلك لما تعد به هذه الاستثمارات من تأثير اقتصادي كبير على المدى الطويل.
فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يسهم مشروع نيوم وحده في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بقيمة 48 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، وأن يوفر 380 ألف فرصة عمل. ويتطلب حجم وطموح هذه المشاريع استثماراً كبيراً، مما يبرر حجم الاقتراض.
كما أن العوائد المحتملة لتنويع النشاط الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتعزيز مكانة المملكة العربية السعودية كمركز عالمي للابتكار والسياحة، تفوق التكاليف قصيرة الأجل لتمويل هذه المشاريع.
تمكين القطاع الخاص
يهدف برنامج "شريك" الذي تبنته المملكة في السنوات الأخيرة إلى زيادة الاستثمارات المحلية من شركات القطاع الخاص إلى 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2030. ويفسر هذا الهدف الطموح حجم الاستثمارات الحكومية التي خُصصت لدعم نمو القطاع الخاص. ويؤكد البيان التمهيدي لموازنة 2025 في المملكة على تمكين القطاع الخاص، ودعم الصناعات الوطنية.
وهناك تركيز واضح على مشاريع الخصخصة، وتدشين الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ويلعب صندوق الاستثمارات العامة دوراً مهما في تحقيق استراتيجيات الاستثمار المحلي المتنامية. ونمت أصول صندوق الاستثمارات العامة بشكل كبير، حيث بلغت 3.47 تريليون ريال سعودي (924 مليار دولار أمريكي) في أغسطس 2024، بزيادة قدرها 21% عن عام 2023.
واعتباراً من عام 2023، تمكنت المملكة من استثمار 79% من أصول صندوق الاستثمارات العامة محلياً. كما يهدف هذا الصندوق الضخم إلى إدارة حوالي 1.1 تريليون دولار من الأصول بحلول عام 2025، الأمر الذي من شأنه أن يعزز دوره في الحفاظ على احتياطيات السيولة للمملكة العربية السعودية.
كما أكدت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني على تصنيف المملكة العربية السعودية عند مستوى (أ+)، مع نظرة مستقبلية مستقرة لاقتصاد المملكة، في حين أبقت وكالة موديز على تصنيفها للملكة عند مستوى (أ1)، مع نظرة مستقبلية إيجابية. وبالإضافة إلى ذلك، أبقت وكالة "ستاندرد آند بورز" العالمية للتصنيف الائتماني على تصنيفها للمملكة العربية السعودية عند مستوى (أ)، مع رفع نظرتها المستقبلية من مستقرة إلى إيجابية. وتعكس هذه التصنيفات التحول الاقتصادي المستمر الذي تشهده المملكة والسياسات المالية التي تعطي الأولوية للاستثمارات المستدامة، مما يدعم الثقة في قدرة الحكومة على إدارة تكاليف الاقتراض بكفاءة.
كما يشير البيان التمهيدي لموازنة السنة المالية 2025، إلى أن المملكة تعمل على توسيع قنوات تمويلها من خلال السندات، والصكوك، والقروض، مع العمل في الوقت نفسه على تعزيز تصنيفها الائتماني السيادي. ويدلل هذا التنويع في مصادر التمويل على أهمية استراتيجية الاقتراض التي تتبعها المملكة، والتي تعتمد على خفض تكاليف الاقتراض، وزيادة المرونة المالية في استثماراتها.
لا يزال الوضع المالي للحكومة قوياً، ومن المتوقع أن يصل متوسط العجز في الميزانية في الفترة ما بين 2025-2027 إلى 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك مقارنةً بالتوقعات السابقة التي بلغ عندها ذلك المتوسط 1.9%، من الناتج المحلي الإجمالي للفترة ما بين 2024-2026.
ويعني ذلك مزيدا من الارتفاع في الدين الحكومي خلال هذه الفترة (بافتراض أن ذلك العجز يمكن تمويله إلى حد كبير من خلال لجوء الحكومة إلى الاقتراض)، ومع ذلك، من المتوقع أن يظل الدين الحكومي منخفضا لمستوى أقل من 35% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027.
وللنظر إلى ذلك الأمر من منظور أوسع، تجدر الإشارة إلى أن الدين العام للبلاد لا يزال منخفضا عند 28.4% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لشهر يونيو 2024، وهو يعد منخفضاً أيضا بالمعايير الدولية، كما أن مستوى الدين العام في المملكة العربية السعودية لا يزال معتدلا مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فرغم أنه أعلى من الكويت، فإنه أقل من الإمارات العربية المتحدة، وقطر، وعمان، والبحرين، وهو أمر يساعد أيضا في الحفاظ على تكاليف اقتراض منخفضة نسبيا للمملكة العربية السعودية.
تكاليف الاقتراض: تحليل مقارن
وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تسهم ثمانية عوامل أخرى في بقاء تكاليف الاقتراض الحكومي منخفضة، وبأسعار معقولة، وهي:
المركز المالي القوي
التصنيفات الائتمانية القوية
تراجع التضخم العالمي
استمرار انخفاض نسبة الدين مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي
تنويع مصادر الاقتراض (مثل إصدار الصكوك والسندات الحكومية، وإصدارات السندات العالمية، والاقتراض من مؤسسات محددة مثل المؤسسة الكورية للتأمين التجاري)،
انخفاض سعر الفائدة في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي
الاستفادة من العملات المختلفة (مثل الدولار الأمريكي، واليورو، والريال السعودي أيضا)
الإدارة الاستراتيجية للدين - حيث يتبنى المركز الوطني لإدارة الدين نهجا استراتيجيا محددا في إصدار الديون، بما في ذلك تنويع قاعدة المستثمرين
وارتفعت تكلفة تمويل محفظة ديون المملكة العربية السعودية إلى 3.62% في نهاية عام 2023، مع زيادة متوسط الفترة الزمنية اللازمة للاستحقاق إلى 9.5 سنوات. وكانت هذه الزيادة مدفوعة بشكل رئيسي بارتفاع أسعار الفائدة العالمية.
وفي حين أن تكلفة التمويل هذه، البالغة 3.62%، هي أعلى مما كانت عليه في السنوات السابقة، فإنها لا تزال منخفضة نسبيا، وفقا للمعايير الدولية. والأهم من ذلك هو أن عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل مدته 10 سنوات، والذي غالبا ما يستخدم كمعيار قياسي عالمي، بلغ حوالي 3.9% في نهاية عام 2023. وتعد تكاليف الاقتراض في المملكة العربية السعودية قريبة نسبيا من هذا المعيار العالمي، مما يشير إلى ثقة المستثمرين القوية في قدرة المملكة على إدارة ديونها.
3.62%
وتهدف المملكة إلى زيادة حجم الاستثمارات إلى ثلاثة أضعاف، لتصل إلى تريليوني ريال سعودي بحلول عام 2030 (أي 30% من الناتج المحلي الإجمالي)، مقارنة بـ 22% في عام 2019.
بينما تهدف الاستراتيجية الوطنية للاستثمار إلى زيادة نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر من 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.