لم أرى منطقة البوليفارد في الرياض مزدحمة إلى هذا الحد من قبل، فجميع المحلات التجارية التي أُعلن عنها قبل افتتاح هذه المنطقة الترفيهية في عام 2019 اكتمل بيعها وتأجيرها. وفي أيام الجمعة الشتوية المشمسة، تعج شوارع المنطقة بالزائرين.

​

ليس البوليفارد هو المكان الوحيد الذي يمثل المشهد المزدهر لقطاعات البناء والتشييد في العديد من المدن في جميع أنحاء المملكة، بما في ذلك عسير، والباحة، وحائل، وجازان والجوف، والمدينة المنورة، ومكة المكرمة، ونجران، وتبوك. ويتضمن تحليلنا أدناه بيانات عن الإنفاق الحكومي، واستثمارات القطاع الخاص، والشركات الكبرى، والتي تلعب جميعها دوراً حاسما في ازدهار قطاع البناء والتشييد بالمملكة.

​

التوسع والتمدد العمراني كما نشهد في الرياض ومدن عدة يولد نموا اقتصايا بالتبعية، فتشير دراسات اقتصادية أكاديمية أن ازدياد عدد سكان المدينة الواحدة وما يتبعه من تخطيط عمراني مدروس  يؤدي بدوره إلى زيادة الإنتاج بنسبة 2 إلى 5%، ونظرا للحاجة الملحة إلى مناطق عمرانية جديدة مع الأخذ في الاعتبار القيود المفروضة على معايير البناء في المدن المزدحمة ، فإن البدء من جديد في أطراف المدن قرار حكيم.

​

وقبل أن ينتقل مجرد شخص واحد فقط للعيش في المنطقة الجديدة تحرص المملكة على توفير الخدمات الرئيسية لا سيما الطرق والكهرباء والانترنت، وهذ يعني أن التكاليف الأولية تكون مرتفعة للغاية سواء كانت في شكل نفقات حكومية  فضلا عن جذب الاستثمار في مشاريع البنية التحتية الضخمة، كالمطارات  والسكك الحديدية. وتحفز هذه الطفرة في المشاريع صناعة البناء والتشييد بشكل مباشر، من خلال تزايد الطلب بصورة أكبر على خدمات البناء والمواد الخام.

​

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن قطاع الانشاءات تبنى اتجاهات حديثة في السنوات الأخيرة، والتي تقلل بشكل كبير من الفترات الزمنية الإجمالية لإنجاز المشروعات، مثل تبني تقنية البناء  المعياري الهندسية في البناء. وتعد هذه الطريقة فريدة من نوعها لأن جزءاً كبيراً من الألواح الإسمنتية للمباني يتم  تصنيعها في المصانع، مما يعني أن البناء سيكون أقل عرضة للاضطرابات المرتبطة بالطقس، خاصة في فصل الصيف شديد الحرارة.

وهناك ملاحظة أخيرة يمكن استخلاصها، وهي أن المملكة تعيد تقييم أولويات إنفاقها بشكل ناضج، مما يؤدي إلى تأخير أو حتى تخفيض تمويل المشاريع الضخمة، مع الأخذ بعين الاعتبار التقلبات في أسعار النفط، وهو الأمر الذي يستلزم تخصيصاً دقيقاً للموارد المالية وفقاً للأولويات. ولهذا، ومن خلال تبني نهج يعتمد على النمو "ببطء ولكن بثبات"، تعيد المملكة باستمرار تقييم عائدات الاستثمار في جميع المشاريع العملاقة، وذلك نظراً للتحديات المتعلقة بالجدوى الاقتصادية المعقدة لهذه المشاريع، وجدواها أيضا على المدى البعيد.